blockquote> أنا تخين I m obese: حكايات خارج السياق

السبت، 29 أكتوبر 2011

حكايات خارج السياق

الحكاية الأولى
دخل مدرس الرياضيات الشاب إلى الفصل
هو مدرس جديد في المدرسة
نقل إليها مجبرا بسبب العجز الموجود في هذه المدرسة
نشرات النقل لا ينفذها إلا المستضعفون
هذه قاعدة يعرفها كل المدرسين
بسبب الفساد الموجود في توجيه كل مادة دراسية
تخرج نشرة النقل وفيها أسماء بعض المستضعفين الذين لا ظهر لهم
والذين يعرف ( التوجيه ) أنهم سينفذون صاغرين حيث لا يملكون أي نفوذ
فيبدأ كل منهم في التحرك والبحث عن واسطة للهروب من التنفيذ
الكثيرون يعثرون على واسطة تعفيهم من تنفيذ النقل
وتتدخل هذه الوساطات
فيخضع التوجيه صاغرا
ويستبدل تلك الأسماء بأسماء أخرى جديدة يتعشمون ألا تعثر على واسطة
وتوضع الأسماء الجديدة
ويبدأ أصحابها ( كالعادة ) في البحث عن الواسطة التي تضمن لهم البقاء في مدارسهم الحالية ولو كان فيها زيادة في عدد المدرسين
وتستمر المحاولات حتى يعثر التوجيه على الهدف المطلوب
وفي حكايتنا تلك
كان مدرس الرياضيات الشاب هو الهدف المطلوب والمثالي
فهو لا يعرف أي وساطات
ومن ثم اضطر لتنفيذ النشرة التي رفض العشرات قبله تنفيذها
دخل إلى الفصل وهو يشعر أنه يعاقب بالنقل إلى تلك المدرسة البعيدة جدا عن محل سكنه لا لشيء إلا لأنه لا ظهر وبلا واسطة
نظر إلى التلاميذ الصغار الجالسين أمامه بحقد وغل وكأنهم السبب في نقله
طلب منهم إخراج كراسات الرياضيات من حقائبهم
تململ بعضهم في مقاعدهم
سألهم : أين الكراسات ؟
قالوا : نسيناها
أمرهم بالخروج من مقاعدهم والتوجه إلى مقدمة الفصل
اختار في البداية أطولهم واتجه إليه بكل الغل الذي يشعر به الإنسان المضطهد
- افتح إيدك
هكذا صرخ في وجهه وهو ممسك بالخرزانة التي رفعها بغيظ في الهواء
مال الولد بجنبه
صرخ فيه من جديد : افتح إيدك
نظر إليه الولد الصغير ( في الصف الأول الإعدادي ) نظرات مقهورة يرجوه بدموع صامتة هي أبلغ من أي كلام أن يتوقف عن تعذيبه
وفسر المدرس هذه النظرات (بفعل ما يشعر به من قهر ) على أنها نظرات متمردة
- يعني مش عايز تفتح إيدك ؟
عامل لي فيها بلطجي ؟
وانهال بالخرزانة على جسم الولد الصغير وهو يصرخ كالمجنون : افتح إيدك
افتح إيدك
واستدار الولد يمينا وشمالا محاولا تفادي لسعات الخرزانة التي كانت تترك آثارا دامية على جسده الصغير وآثارا دامية أيضا على قلبه البريء
ورغم أن المدرس اعتقد أن الولد الصغير يرفض أن يفتح يده إلا أن الحقيقة المرعبة كانت خلاف ذلك
فهذا الطفل ولد بعيب خلقي في يده اليمنى التي جذبه منها طبيب التوليد ليحكم على هذا الولد أن يعيش حياته عاجزا بيده المدلاة بجانبه لا يستطيع أن يرفعها أو يشير بها
وفي اليوم التالي اصطحب الأب طفله إلى المدرسة وعراه أمام المدرسين بجسمه الممتلئ الذي كان عبارة عن علامات دامية خلفتها الخرزانة على جسمه
القصة حقيقية
والدرس يمكن تلخيصه في المعادلة المأساوية التالية :
مدرس يعاقب لأنه لا يملك واسطة = طفل يعاقب ويعذب بلا قلب وذنبه الوحيد أنه عاجز لا يستطيع أن يرفع يده
حقا
أنت في مصر تقهر مرءوسك لأن رئيسك يقهرك
وتستمر عملية القهر لتقضي على آدميتنا




الحكاية الثانية
شاهدها أكثر من مرة
وتبادلا حبا صامتا بالنظرات
وتعلق قلب كل منهما بالآخر
وعندما التقيا لأول مرة في كافيتيريا على البحر
تبادلا حديثا رقيقا وتلامست أيديهما
وتعانقت قلوبهما
ونادى على من يقدم المشروبات فطلب لها عصيرا
ثم قال للعامل : وأنا أريد قهوة بالملح
فاندهشت وضحكت
وسألته : كيف تشرب القهوة بالملح ؟
اضطرب وأحس بالخجل ثم قال لها : القهوة بالملح تذكرني بالبحر وبأمي الراحلة
وازداد إعجابها به لوفائه
وتزوجا
واستمرت حياته معها أربعين عاما أنجبا خلالها الأولاد والبنات وتمتعا برؤية أحفادهما
وطوال الأربعين سنة استمر في عادته الغريبة بشرب القهوة بالملح
كانت حياته معها صافية ملؤها الإخلاص والوفاء
وكان عطوفا رقيقا يسع قلبه كل البشر
وبعد هذه العشرة الطويلة مرض ومات
وبكت عليه كما لم تبك من قبل
فقد فقدت الأخ والصديق بل والأب قبل أن تفقد الزوج
وبعد موته بأيام
عثرت على رسالة منه كتبها إليها
قال فيها :
عزيزتي
سامحيني
القهوة بالملح لا تطاق
ولا يتحملها بشر
ولكنني لأجلك شربتها طوال أربعين سنة
هذا لأنني عندما التقيت بك لأول مرة ومن شدة توتري واضطرابي أخطأت فطلبت القهوة بالملح
وخجلت من أن أصحح طلبي حتى لا تظني بي السوء
وفكرت بعدها في أن أصارحك
ولكنني خشيت أن أصارحك بأنني لا أتحمل شرب القهوة بالملح فتعتقدين بأنني كذبت عليك عندما أخبرتك أنني أحبها لأنها تذكرني بالبحر وبأمي
وحتى لا أصدم مشاعرك الرقيقة فضلت أن أستمر في شربها أربعين عاما وأن أتحمل طعمها الذي لا يطاق
فسامحيني
( قصة أعجبتني )


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق